خربصــــات 22: يشفّني الوجد، مطر، يوم الجمعة 31 جانفي 2014
يشتاقني الحنين إلى جمعيّة ابن عرفة وكنتُ قد
زرتُها بغمراسن في أواخر التّسعينات. إن لم تخنّي الذّاكرة ذات زيارة, رفقة زوجي
وأبنائي لمدينة تطاوين في ملتقى تربويّ لترسيخ مشروع إصلاح التعليم... لم
يكفّ المطر عن الهطل ولم نكفّ عن الثّرثرة فقد انفلتت أرواحنا من عقالها
وراحت تغيظ الزّمن والأعداء...
أطفالا أضحينا ونحن الجدّات المجدّات الجادّات زمنا !!! أبناؤنا صاروا في مثل تلك السنّ الّتي عرفتُ فيها صديقاتي، بالكليّة وخارج تخوم الوطن، بل منهم من تجاوزها... أحفادنا بلغوا تلك السنّ التّي كان عليها أبناؤنا لمّا افترقنا!!! يا لتلك السّنين الشّاردة منّا... يا لذاك العمر الذّي هرول في غفلة منّا!!! قف أيّها العمر حتّى نأمرك، لا تتعجّل، سر بنا الهوينا، تهاد ولا تسرع، فما يضيرك أن تتمهّل؟!
أطفالا أضحينا ونحن الجدّات المجدّات الجادّات زمنا !!! أبناؤنا صاروا في مثل تلك السنّ الّتي عرفتُ فيها صديقاتي، بالكليّة وخارج تخوم الوطن، بل منهم من تجاوزها... أحفادنا بلغوا تلك السنّ التّي كان عليها أبناؤنا لمّا افترقنا!!! يا لتلك السّنين الشّاردة منّا... يا لذاك العمر الذّي هرول في غفلة منّا!!! قف أيّها العمر حتّى نأمرك، لا تتعجّل، سر بنا الهوينا، تهاد ولا تسرع، فما يضيرك أن تتمهّل؟!
تحت زخّات المطر وتأوّد المطريّات وقد ناءت بحملها وعبثت
بها الرّياح نسير الهوينا كأنّنا نثأر من كلّ تلك العجلة الّتي أربكتنا طيلة كلّ
تلك السّنوات فكان الغياب... تحت زخّات المطر نتهادى كمن ينشد ارتواء بعد ظمإ
وامتلاء بعد مسغبة !!!
بلغنا مقرّ جمعيّة ابن عرفة وقد نال من معاطفنا المطر
وما نال منّا... صعدنا الدّرجَ لاهثين ووجدنا صديقنا الشّاعر " سوف عبيد
" في انتظارنا. استقبلنا في أعلى الدّرج هاشّا باشّا كما
عهدناه وكنّا في أوج بهجتنا ونشوتنا بهذا اللّقاء... لم تنقطع أحاديثنا
فبجرابنا آلاف الأهازيج والحكايا وقد أبقت لتستوطن بريق عيوننا... دخلنا الجمعيّة
بضجيجنا وقد شغلتني حرارة اللّقاء عن استكشاف المكان الذّي تطأه قدماي لأوّل
مرّة... هنا احتضنتنا الصّديقة المبدعة الرّائعة وهيبة قويّة باعثة
" نادي الإمتاع والمؤانسة "بدفء ترحابها وجميل تلقائيّتها التي تقرّبها
إلى نفسي وهرعت إلينا صديقتنا الجميلة " عروس البحر" بل هي عروس البرّ
والبحر بضحكتها العريضة الفاتنة... ثملت أحضاننا بدفق المشاعر الصّادقة وتبادل
عبارات الودّ والشّوق... عبق المكان بفرحة اللّقاء وقد هبّ إلينا الصّديق الشّاعر
لطفي السّنوسي رئيس نادي أبي القاسم الشّابي للشّعر مرحّبا مسلّما وضجّ المكان
بالتّحايا والحكايا من هنا وهناك... تكاد الجدران تردّد صدى كلّ الأصوات وتنطق ببريق كلّ
العيون وبارتسام ابتسامات كلّ الشّفاه !!! " ياه, مدام صفيّة!!! ياه مليكة,
كيف حالك؟ مبارك ديوانك!!! مرحبا بكم... مرحبا بكَ... مرحبا بكِ... مرحبا بالجميع"...
تبادلنا القبلات والتّهاني بإصدارات جديدة... حرارة اللّقاء أنستنا المطر والبلل
والرّيح... تدفّق المشاعر غمر المكان فضجّ ورقص حتّى ضاق بنا ... أخذنا
أماكننا في انتظار البدء وأنا لمّا أزل أنتظر ملء جوانحي تلك التّي قدمتُ إليها في
هذا اليوم الممطر... عينايا تعلّقتا بالباب وقلبي يرتجف وأنفاسي تتسارع... أعرف
أنّها ستأتي, لا بدّ أن تأتي ولكن لمَ تراها تأخّرت والجلسة قريبا ستفتتح ؟! المطر
عاقها. لا شيء غيره... من النّافذة أراه يهطل مدرارا وبداخلي يعزف نشيجُ المرازيب
أهازيج اللّقاء بعد طول غياب... ظلّت عيناي مسمّرتين بالباب وقد حجزتُ لها مكانا بيني
وبين صديقتنا جميلة ليكتمل البهاء... وتلك التّي بجانبي تريد إلحاحا أن تضع
معطفها على كرسيّها الفارغ وأنا أمانع بلطف وأنتظر... لم أملّ الانتظار حتّى
والسيّدة رئيسة الجلسة تعلن بداية الافتتاح!!! أعلم يقينا أنّكِ قادمة وإن صارت الطرقات
وديانا وأعلم أنّك لن تفرّطي في هذا اللّقاء المتاح!!!
المطر لا يزال يهطل وكلّ من بالقاعة منشغل بالتّحايا
ومدّ جسور عبق النّوايا وأنا وكذا جميلة ننتظرك... تلك السيّدة الجميلة التي
بجانبي, بتلقائيّة محبّبة تسألني من أكون, أجيبها فيشرق وجهها: "آه أنتِ
صفيّة!! أعرفكِ، أعرفكِ..." تأخذني الدّهشة فأنا لا أعرفها ولا أذكر
أنّي التقيتُها... قد تكون واهمة أو اختلطت عليها الأسماء؟! أتشجّع لأسألها:
" ومن أنت, مدام؟! " فتجيبني بتلقائيّتها اللّذيذة : "أنا ريم
العيساوي!!! " أعتذر لها وتصرخ نفسي: " صديقتي. ريم!! يا الله. أعرفكِ.
أعرفكِ جيّدا من خلال كتاباتك... أنت صديقة فايسبوكيّة حميمة دون أن ألتقيكِ... يا
لهذا الفايسبوك العجيب، كم أهدانا من أصدقاء!!! " نتجاذب أطراف الحديث وعيناي
معلّقتان بالباب، ينساب حديثها سلسا تلقائيّا فأعرف عنها ما لم أكن أعلم !!! أسأل الواقفين
والجالسين عن المطر... يدخل علينا بعض المدعوّيين إلى الملتقى وعيونهم تطفح بشرا
بهذا الغيث بعد طول انحباس... أتلهّى بالحديث مع ريم عنّي وعنها بطلاقة لا تعيقها
السُّجُف. كأنّي أعرفها منذ دهر!!! آنسني حضورها وألهمني تواضعها تباشير ارتقاء
بصداقتنا من الافتراضيّ إلى الواقعيّ... ألتفتُ إلى جميلة وهي
تشاركنا الحديث استماعا... أسألها عن انطباعاتها الأوّليّة بهذا المجلس... أجدها
تترشّف عبق المكان وتحتسي زلال ما جاد به علينا هذا الزّمان... ننتفض من سباتنا الطّويل
وننفض عنّا غبار النسيان... نتذكّر سنوات شباب كانت لنا بدولة الكويت ونبتسم رضى
ويشفّنا الوجد وذاك الحنين إلى ما لا يعود وإن رسخ بالذّاكرة... فجأة تثب صديقتي عائشة
لتحتضن القادمة إلينا من بعيد قريب تحت هطل المطر!!! أرتعد وتضطرب الأرض تحتي حتّى
لكأنّها مادت وأنا أرى صديقتيَّ ملتحمتين متعانقتين عناقا تخرّ له الأزمنة سجّدا...
تمنعني الطاولة الكبيرة من الوصول إليها وقد جلس إليها المدعوّون ممّن أعرف ولا
أعرف... أخلع عنّي كلّ حيائي الّذي يلازمني أبدا وأطلب من الجميع أن يبتعدوا
لأحتضن صديقتي عيّاديّة التّي لم ألتقها طيلة ثلاثين سنة خلت!!! احتضنتها
مقلتاي قبل أن أصل إليها... هي بعينها كما عرفتُها كما تركتها. كأنّ الزّمن لم
يعرّج على بابها !!! كأنّي بها أعتى منه أو يضير النّخلة الشّامخة بعض ريح
أو جفاف وهي أصيلة قبلّي بكلّ ما حملته إلينا من عبق الواحات وصليل المياه
والرّمال!!! أشقّ طريقي الضيّق إليها دون أن أعبأ بالزّحام وتلك العيون الّتي
ترمقني. أنا التّي أستحي من كلّ مَن لا أعرف!!! تلتحم روحانا ولا أدري بما كنتُ
أهذي ولا أدري ما كانت تقول ولا ما كان يردّده الحاضرون!!! كنتُ منشغلة عنهم وعنّي
بوجيب اندحار جدار الصّمت والغياب. كنتُ أرى حصون الزّمن العتيّ تتهاوى
كأوراق كرتونيّة... كنتُ أرانا نتربّع على قمّة الشّعانبي ولا نعبأ بالهاوية!!!
امتزجت الفرحة بالدّموع وتماهى الحاضر والماضي في لُحيظات. هي الشّفاء والارتواء
والامتلاء... عاد الجميع إلى كراسيّهم ولم يعد كرسيّها الّذي حجزناه شاغرا!!!جلست
قبالتي, تفصلها عنّي الطّاولة الكبيرة الّتي تحلّق حولها الضيوف وأهل الدّار ...
ظللتُ أرمقها وأبتسم وظلّتْ هي ساكنة هادئة ترمقني وتبتسم ...
صفيّة قم ابن عبد الجليل وريم العيساوي |
انطلقت الجلسة وأنا بين وجد وحنين وتوق إلى ما بعدهما...
حملتُ نفسي على التركيز فأنا وأعضاء الصّالون الأدبيّ " الزوراء
"مدعوّون إلى هذه الجلسة الافتتاحيّة لنادي الإمتاع والمؤانسة التي
افتتحها الشّاعر سوف عبيد رئيس جمعيّة ابن عرفة الثقافيّة. مرحّبا وداعيا إلى لمّ
الشمل ومؤازرة المبدعين وخاصة الّذين كبا بهم الزّمن. ذات يوم ومذكّرا بيوم 8 فيفري
2014 الذي سيقدّم فيه نادي أبي القاسم الشّابي للشّعر دعما معنويّا للدّكتور
الأزهر النّفطي بالالتفاف حوله وإهدائه بعض القراءات. احتفاء بوجوده بينهم...
ثمّ تولّت الصّديقة النّشيطة الشّاعرة والرّوائيّة وهيبة ﭬويّة الترحيب بكلّ
الحاضرين الّذين غصّت بهم القّاعة فتقديم الدّواوين والكتب البكر الّتي
يحتفى اليوم بأصحابها. تشجيعا لهم على مواصلة الدّرب. درب الإنشاء شعرا وسردا...
كان اللّقاء دافئا رغم البرد والمطر, ممتعا ومؤنسا بدراسة تمهيديّة لقراءة ديوان
مليكة العمراني " شرّدني الطينُ ذات تفّاحة
" قدّمتها الأستاذة ريم العيساوي وأتاحت لصاحبته تشنيف آذاننا ببعض
قصائده... توالى تقديم المؤلّفات وأصحابها وكان أطرفها ذاك الّذي قام به صديقنا
عبد المجيد يوسف لديوان السيّدة سهام صفر Rayons de soleil التّي أضحت
زوجته!!! كان اللّقاء طافحا بالجدّ والهزل والمرح وكانت الضحكات تنطلق من هنا
وهناك وكانت الأيدي تمتدّ بالهدايا: دواوين ومؤلّفات سرديّة وكان الصمتُ سيّد اللّقاء
كلّما همّ أحد المكرّمين أو الحاضرين بقراءة ما تيسّر من نفاثات الصّدور وما أن
ينتهي حتّى تضجّ القاعة بالتّصفيق وتلهج الألسنة بالثّناء ... بل إنّ الدّموع
أيضا كانت في الموعد, سواء سالت أو كُبح جماحها بالصّدور أو المآقي عندما قرأت
الشّاعرة ريم العيساوي الّتي ترى أنّها ناقدة قصيدتها: كلّ شيء سواك هباء يا وطني. بحّ صوتُ
ريم وخنقتها العبرات بل وبكت وهي تشكو غربتها وأوجاع الوطن وتخلّي أصدقائها عنها بعد
عودتها من الإمارات... بكت ريم وصفّق لها الحاضرون وبكيتُ معها سرّا وجهرا...
بكيتُ الرّاحلين وما رحلوا... بكيتُ بعض الأصدقاء وما صدقوا... بكيتُ المزاجيّين
وما فعلوا... بكيتُ ذاتي لغبائها وما وجدتُ لي من عزاء غير بعض أبيات
المتنبّي الّتي برقت من وراء الحجب:
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم ~ وجداننا كلّ شيء بعدكم عدمُ
ما كان أخلقنا منكم بتكرمة ~ لو أنّ أمركم من أمرنا أممُ
إن كان سرّكم ما قال حاسدنا ~ فما لجرح إذا أرضاكم ألمُ
وبيننا لو رعيتم ذا معرفة ~ إنّ المعارف في أهل النّهى ذممُ
كم تطلبون لنا عيبا
فيُعجزكم ~ ويكره الله
ما تأتون والكرمُ ... ـ
إذا ترحّلتَ عن قوم وقد قدروا ~ أن لا تفارقهم فالرّاحلون همُ
شرُّ البلاد مكان لا صديق به ~ وشرّ ما يكسب الإنسان ما يصِمُ ...
هذا عتابك إلّا أنّه مقة ~ قد ضُمِّن الدرّ إلّا أنّه
كَلِمُ...
عبق المكان شعرا فصيحا أو عاميّا وسردا... سكر القومُ
بالسّحر الحلال ونالني شرفُ التقاء العديد من الوجوه النيّرة في السّاحة
الثّقافيّة والإصغاء إلى كتاباتهم ومنهم على سبيل الذّكر لا الحصر: نجاة البكّوش
وسمير مجيد البيّاتي "من العراق " والحسين مفتي وفريد سعيداني وعمر
السعيدي ورجاء بوستّة ــ طبيبة شاعرة ــ وسهام بن جميع وجودة بلغيث ومحمد مامي
وليلى نصّار ...
بالخارج المطر ينهمر والفرح منّا هنا يزهو وينهمر، ينهمر... لا
أحد منّا فكّر في كيفيّة العودة إلى سوسة وهذا المطر ينهمر!!! كانت السّعادة
تغمرنا وكفى!!! ألا أيّتها اللّحظات الشّحيحة تمدّدي... تمدّدي ويا
أيّها الفرح المنسيّ أورق... أزهر... أثمر... فذي أرواحنا قد يبست
وذي أوردتنا قد جفّت وذي قلوبنا قد قست وتكلّست وتشيّأت وذا النّبض منّا قد
خفت... اهطل أيّها الفرح, اهطل... املأ القلوب والشرايين... تدفّق...
تدفّق وترفّق بنا... لا تُغادرنا نزوةً... لا ترحل عبثا... قوّم مزاجك وكن لنا
وطنا... لا ترحل... لا ترحل... أريد أن أصغي إلى صليلك وهديلك وهديرك تسري في دمي...
اُنشر عبيرك فقد شوّه غريمك وجوهنا وقلوبنا وعقولنا فأضحينا مومياء من طين. من حمإ
مسنون... أوقد فينا نارك. كم نشتاق جذوتك، لهبك، سياطك، رعشتك... حتّى نكون!!!
المطر يهطل والقاعة تضجّ حينا وتخفت آخر ... وأنا، تلك
الطفلة الحالمة وددتُ لو ظللتُ العمرَ كلّه هنا، بين صديقاتي، بين عبق الكلمات
أصغي إلى تراتيل الحياة تنساب دفقا، دفقا إلى ذاتي...
ازدانت الطاولة الكبيرة بما لذّ من عصير وحلويّات
متنوّعة على نخب الضيوف، أكلنا وشربنا في سعادة غامرة وأهل الدّار يدعوننا ملحّين
إلى المزيدن شكرا لكرمهم الحاتميّ وحسن وفادتهم لنا ...
المطر يهطل... والكرم يهطل أيضا: أبت الصّديقة
الرائعة وهيبة قويّة إلّا أن تتوّج أصحاب الإصدارات البكر بشهائد تقدير
جميلة ذكرى وتشجيعا... وهطلت الصّور من هنا وهناك وتهاطلت الضّحكات والابتسامات والتّحايا
والتّهاني والتّعارف والأماني... تجمّع الحاضرون مثنى وثلاث ورباع وزرافات
وانبروا في أحاديث شتّى وضرب مواعيد هنا وهناك، مواعيد أدبيّة لـ"أقلام
" وأخرى لنادي أبي القاسم الشابي للشّعر وثالثة لجمعيّة مصطفى الفارسي ورابعة
للصالون الأدبيّ "الزوراء"... وتبادلنا الدّعوات وتواعدنا باللّقاءات
وطاب لنا البقاء معا دون أن نعبأ بالمطر أو بتلك الطّريق الّتي سنطويها إلى سوسة
في هذه اللّيلة الممطرة!!! كنّا آخر من غادر المكان والمطر ينهمر... ينهمر...
ينهمر... من مقرّ الجمعيّة إلى مربض السيّارة وأنا برفقة وهيبة نتجاذب أطرف أحاديث
الإبداع والتّقديم وكيفيّة الاحتفاء بالمواهب الشّابة والرّاسخة... كم أنتِ راسخة
القدم في ربوع الإبداع يا صديقتي وكم هو كبير عشقك للجمال وكم هو فسيح قلبك للجميع...
بوركتِ صديقتي ووُفّقتِ وحباك الله بوارف رعايته وعونه فأنتِ من حاملي أعباء هذا الوطن وقد
ثقلت أوزاره وخفّت موازينه بأطنان الرّداءة الجاثمة في شرايينه ...
المطر يهطل ونحن نقطع الأزقّة زقاقا فزقاقا غير عابئين
بما نالنا من بلل... لم أبال بحالي وقد صار معطفي ينزّ ماء إلّا عندما وصلنا إلى مربض
السيّارة فوجدتني أقطر من رأسي حتّى قدميّ!!!
المطر يهطل غزيرا ونحن نغنّي!!! نعم نغنّي طيلة الطّريق،
نشوة، فرحا، تحدّيا والربّان سي عبد المجيد يقطع المسافات طربا
وحبيبته سهام تؤنسه وتؤنسنا ببراءة الطفلة التي لم تلوّثها براثن الحياة ولا مخالب
البشر... هي، ببراءتها وتلقائيتها وصراحتها ونبلها... تجعلك ترتاح إليها بل
وتحبّها وتجلُّها...آسيا تلك النّسمة الكافيّة العبقة وقد تمرّست بالحياة حتّى
غلبتها تطربنا بصوتها الدّافئ وضحكاتها الطّليقة الصّادقة... أمّا عائشة،صديقة
العمر فهي بصدرها الرّحيب تحتضن الجميع وتُغدق على الجميع وافر كرمها الفيّاض بلا حدود ...
المطر لم ينقطع عن الهطل إلّا ونحن على مشارف النّفيضة، تقريبا...
بدأ الوعي بواقعنا يعود إلينا ويستلّنا من ذاك الحلم اللّذيذ الخفّاق وبدأت
أجنحتنا تخفق برفق لتنزل بنا من عليائنا إلى حياتنا اليوميّة العاديّة بكلّ
التزاماتها العائليّة والمهنيّة!!!
كنّا راضين كلّ الرّضى بما أوتينا من جرعات حياة هي
الحلم الّذي طالما اشتاقنا الحنين إليه...
افترقنا ليلتها على أمل اللّقاء غدا، باتّحاد الكتّاب
التونسيين بالمنستير لاحتساء جرعات أخرى من نهر الحياة الشهيّ !!!
الأديبة صفيّة قم ابن عبد الجليل
يتبع : في ظلال اتّحاد الكتّاب بالمنستير
0 التعليقات :
إرسال تعليق