نادي الإمتاع والمؤانسة ... نادي الإمتاع والمؤانسة ... نادي الإمتاع والمؤانسة...

الجمعة، 14 فبراير 2014

خربصــــــات 21 : يشفّني الوجد... مطر... يوم الجمعة 31 جانفي 2014




خربصــــــات 21 :  يشفّني الوجد... مطر , يوم الجمعة 31 جانفي 2014

...   مطر.. مطر.. مطر... وشوقي إليك ينهمر.. ينهمر .. ينهمر.. والأمس البعيد القريب يهطل مزنا فترتوي روحي ويشتاقني الحنين إليك أكثر، أكثر، أكثر... وأنا لستُ أنا، صرتُ غيمة... صرتُ نجمة... صرتُ خيمة... يا أيّها الفرح المنسيّ أفق، اِنهض، طر بي على جناحيك، حلّق بي عاليا... كم هي مديدة هذه الطريق الّتي تنهبها السيّارة من مساكن إلى سوسة إلى هرقلة إلى تونس حيثُ سألتقيك بعد غياب ما يقارب الثّلاثين سنة !!! لا، بل سألتقيكما، سألتقيكم...
الأديبة صفيّة تقرأ من " يشتاقني الحنين" في افتتاح نادي الإمتاع والمؤانسة
مطر. مطر. مطر... الفضاء مكفهرّ والغيث يهطل, يهطل مدرارا... لا بدّ من تخفيض السّرعة وتشغيل مسّاحتي بلّور السيّارة الأماميّة... " ردْ بالك!! انتبه، نقّص من السرعة أو قف حتّى ينتهي العارض " والمطر يزداد عتوّا والطريق تفيض أنهارا ونحنُ نغنّي... نُغنّي والفرحة تهزّنا: أنا قد شفّني الوجد وأنتظر ساعة اللّقاء وأستعجله وأتخيّله فأرتجف حبورا وأرتعش لهفة... عائشة بدورها تشاركني لهفتي وترنو معي إلى ساعة اللّقاء وتبدو عليها بوادر الفرح، ذاك الفرح المنسيّ بين تجاعيد الحياة وتعاريج الزّمن... آسيا بمخيال الشّاعرة الشّفيف تَرى ما لا يُرى وتردّد طربا بعض النُّسيمات الكافيّة الشجيّة... سهام، تلك العروس البهيّة والطّفلة البريئة الّتي لم تلوّثها الحياة على قسوتها تنير الدّرب ببعض براءتها المرتسمة على روحها كما على لسانها... وربّاننا، صديقنا  الرّائع سي عبد المجيد يشقّ بنا الطّريق بأناة وانتباه شديدين ويحدّثنا بأعذب شعر وأحلى رفقة ...
مطر. مطر. مطر وشوقي إليك ينهمر. ينهمر. ينهمر... أجنحتي تضطرب، تضطرب والقلب منّي يخفق، يخفق وذاك الفرح المنسيّ يستيقظ.. يصحو.. يربو.. يبحر بي إلى هناك... إلى جمعيّة ابن عرفة بالسّليمانيّة، إلى نادي الإمتاع والمؤانسة، حيث سألتقيك، سألتقيكما، سألتقيكم... مراكبي تمخر العباب في زهو... تترشّف المسافات، تحتسي غربتي، تلفظ عزلتي... أشرعتي تخترق عباب الغياب... تمزّق أشلاء  العتاب... يتشظّى الزّمن... تخبو صولته... يرتعش... تندحر فيالقه... تفرّ القهقرى... تنبجس الذكريات, ذكريات أكثر من ربع قرن!!! تعتلي أيّام 9 أفريل عرش الرّوح... صليلها يُطربني... يكتسح منّي سمعي وبصري... ما عدتُ أعيش غيرها... ما عادت مسام بدني تستجيب لسواها... أضحت نبضي ومرفئي وواحتي الظّليلة ...
مطر، مطر، مطر، وشوقي إليك ينهمر.. ينهمر.. والنبض منّي تُقرَع أجراسه والدرب ممتدّ.. ممتدّ.. وأنا ألامس ذاك الفرح المنسيّ كما في حلم فتسري أنغامه في دمي ويهمي عطره في شراييني،  فيأخذني خدر، خدر لذيييذ حدّ السّكر... توقظني من حلمي، من سكري ترانيم أصدقائي مع بعض التّسجيلات المختارة الّتي تصدح من راديو السيّارة فيأخذني طرب على طرب وأشاركهم الغناء... أغنّي كما لم أغنّ أبدا!!! أنا قد شفّني الوجد وهزّني الطّرب فيا مراكب الترحال خُذيني إليها, إليهما, إليهم فهذا الشّوق يجتاحني ويعصف بأشرعتي... خذيني على جناح تلك الغيمات... أَسري بي واعرجي بي فوق كلّ الهامات... " كدنا نصل وهذا المطر المنهمر، كيف السّبيل إلى التّخفيف من صولته؟؟ هيّا استعددن وخذن مطريّاتكنّ, فقد وصلنا.. "
مطر، مطر، مطر, ينهمر، ينهمر، ينهمر ورياح عاتية لا تُبقي ولا تذر والمطريّات ريشة تعبث بها فتتحوّل إلى فراشات نمسك بها بلا جدوى فما استطاعت أن تصمد أمام جبروت الرّيح والمطر!!! نسير تحت هطل المطر، نتلذّذ زخّات الهطل... نضحك... نقف لنأخذ بعض الصّور!!! أطفالا كنّا تحت وابل من فرح، من ذكريات جثت على ركبتيها واحتضنتنا أنا وعائشة... هذه المدينة العتيقة تتضوّع عبقا، يصلنا أريجها، أريج سنوات الدّراسة بكليّة الآداب 9 أفريل... كنّا نعبر كلّ أزقّتها في طريقنا إلى المطعم الجامعيّ " الحسين بو زيّان " أو " البالماريوم "  أو إلى المكتبة الوطنيّة بالعطّارين... كنّا نعبرها جيئة وذهابا مثنى أو رباعى أو زرافات... لا حديث لنا إلّا   عن دروس الأدب والبلاغة والعروض... لا شاغل لنا غير الدّراسة... لا حلم لنا غير النّجاح والعودة إلى الدّيار وردّ جميل من ضحّوا من أجلنا والإسهام في بناء هذا الوطن!!! 
يا أيّها الفرح المنسيّ اهطل فذي مزاريب روحي قد ظمئت وهذا شوقي إليكَ قد طفح... يا غيماتي الشّاردة كوني لي غيثا مريئا طيّبا فذي عُشيباتي ووُريداتي قد ذبُلت وذا عمري قد بلغ بي عتيّا... اهطلي.  اهطلي, اهطلي فبي شغف إلى الارتواء والامتلاء!!!
مطر, مطر, مطر... ووجه السّماء يكفهرّ ويكفهرّ... وشوقي جارف إليك، إليكما، إليكم ونحن نسير، نتهادى تحت وابل المطر... نتوقّف أمام واجهات باعة الذّهب، كما كنّا نفعل، أيّام الكليّة ونحلم... نحلم مع ذاك الفارس الجامعيّ الفقير إلّا من طموح وذكاء وحبّ!!! لم تكن السيّارة ولا المال ولا البيت مرمى آمالنا... كنّا من هواة الأدب وعشّاق الثقافة... كنّا من أحفاد قيس وليلى وجميل بثينة... كنّا من الحالمين بخيمة عشق تضمّنا وبهمسة دفء تغنينا وتذيبنا!!!  أيّها العشق  الكبير الذّي عشنا تمهّل.. ترجّل.. لا ترحل... لا تترك هذا الزمن يبكينا ويدمينا فأنا لا تخفق الحياة فيّ إلّا بك... استيقظ من غفوتك...  امتط صهوة صبوتك... ذي سنابكك تدكّ ذاك الوجع، ألا اسحقه... اُقتلهُ... ادفنه... ارم به إلى الجحيم... يشتاقني الجذل إلى أن أدوس قبره وأتلو عليه فاتحة الخراب وقد أضحى يبابا !!! 
مطر، مطر، مطر وشوقي إليك يكبر، يكبر، يكبر وذاك الحزن المعشّش في أعماقي يتضاءل، يخبو، ينتحر وأنا أغنّي للمطر تحت المطر... جامع الزيتونة المعمور، آه كم مررنا به وكم رفعنا أبصارنا إلى صومعته الشامخة البهيّة وقلوبنا ترحل أدعيّة وقد فتّحت لها أبواب السّماء... حمائمه، كم نثرنا لها من حَبّ عسى الله يستجيب لأدعيتنا فيحمي حُبّنا... مكتباته، كم ولجناها منقّبين عن كتاب أو مخطوط أو ديوان... هذا البلاط، هذا البلاط كم اهترأت نعالنا ونحن نصافح وجهه صباحَ مساءَ وكم تعثّرنا فيه لو لم يسند أحدنا الآخر ...وهذه الدّكاكين للعطور والجلود والخزف والنّحاس كم استوقفتنا ودعانا أصحابها إلى اقتناء بعض ما تيسّر فننهمر ضحكا وننصرف والجيب خال إلّا من بعض تذاكر المطعم الجامعيّ !!!هذا السّوق لم تتغيّر سحنته, فلمَ تغيّرنا؟! هؤلاء البّاعة مازالوا يستوقفوننا بنفس اللّغات التي تعلّموا بعضها لجلب السوّاح... أين السوّاح الذين كان السوق يضجّ بهم؟! لا أثر لهم في هذا اليوم الشتويّ الممطر !!!  
أسير وقد تملّكني خدر حدّ السّكر، والمطر ينهمر، ينهمر، ينهمر... أطفالا كنّا نسير تحت المطر وعلى إيقاع المطر دون أن نخشى البلل!!! تمسك عائشة بذراعي ونتبادل الذكريات الّتي خلناها ذوت فإذا هي تنبعث فتيّة عتيّة شاردة!!! تهطل الذكريات... نُحاصرها... نقفو آثارها... تتهادى إلينا مطواعا... ترقص، نرقص، تتداعى وتنساب زمرا... نضحك، تصّاعد منّا تنهيدات... نتحرّر من بعض وجع... نرنو إلى أفق قريب بعيد ويهطل المطر... 
مطر, مطر, مطر... تحتضننا الأزقّة, تدثّرني عائشة بابتسامتها وتحثّتي على السير قدما فقد كدنا نصل... أتلمّس ذراعي،  تلك الّتي كنتَ ترجوني أن تمسك بها فأتمنّع حياء وتعفّفا ورهبة... وبعنادك تغزوها ويطيب لك السّكون إليها!!! أين أنتَ منّي الآن؟! أين تلك الشّعلة الّتي تضيئني, تدفئني, تؤنسني؟! لا تقل: خبت مع الزّمن، لا تقل إنّها جذوة الشّباب وكلّ جذوة إلى رماد! لا تقلها، فأنا لا حياة لي بدونها... هي ذي بأعماق روحي تضيئ لي دربي، تمنعني من الهزال، تصدّ عنّي الهاوية !!! تستعجلني آسيا: " هيّا، لقد كدنا نصل!  " أترنّح ثملة لذكرى حبّ كبير لا يزال يعشّش بين جوانحي ويوقّع نبضي ويثبّت قدميّ... ألتفت يمنة ويسرة. لاشيء، لا شيء، لا أحد... تتعثّر خطواتي وأسير تحت المطر وأنا أتملّى المكان ومن بالمكان، أتراني أبحث عنكَ وأنتَ تسكنني وتسدّ دوني كلّ الدروب؟! ترتفع بي قدماي وأظلّ أسبح في الفضاء الرّحيب وقد فقدت الأرض جاذبيّتها... أرى التفّاحة تتدلّى في الهواء, أشتهيها ولا أجرؤ على قطافها،  فمن الغباء أن أقترف ما أقدمت عليه حوّاء!!! أكتفي بتلمّظ حلاوة حمرتها القانية وأمنّي النّفس بحسن الخاتمة... تهطل الذّكريات ويسحّ المطر وأنا هنا وهناك والآن وأمس وغدا... ياه, ياه, كم هو ثقيل كاهلي!!! ويهطل المطر وأنزف، أنزف... حتّى أنتزع منّي بعض ألم، بعض سقم... ويهطل, يهطل المطر وأنا أعزف على إيقاعة سنفونيّة العشق وذاك النّغم الّذي طالما طربنا له ورقصنا !!! أسيرُ شاردة والأصدقاء قد سبقوني وأنا أقتفي آثار أقدام لنا كانت ولا أزال أراها!!! أتوقّف فجأة، صوتٌ يناديني، أصيخ السّمع... صوتٌ أعرفه, أعرفه جيّدا، صوتٌ خفيت دافئ حييّ... صفيّة... صفيّة... يا صفيّيييييييييية!!! أتسمّر في مكاني مذهولة شاردة وقد ألجمتني الدّهشة... تحتضنني... أحتضنها... ملء الأحضان، ملء الأحداق، تهطل الذكريات مدرارا... أصرخ: " جميلة... جميييييلة... " ويهطل المطر ولا نعبأ بالبلل فدفء العناق يهزأ بالبلل... ننزف، ننزف ذاك الغياب المجانيّ، نطرد ذاك الزمن الهارب المندحر... نبتسم... نمسح  دمعا أبى إلّا أن ينهمر... ويهطل المطر...
تهطل الذّكريات ويغيب عنّا المطر وهو لا يزال قِرَبا ينهمر... نسترجع أيّاما لنا بدولة الكويت بحلوها ومرّها... أراها عروسا فاتنة, مخضّبة يديها بالحنّاء وعبق الحرقوس يتضوّع منها... أراها وقد وضعت وليدتها البكر, منال... أراني بمستشفى الصُّباح وقد جاءت تعودني... أرى أطفالنا وقد أودعناهم الحضانة فالروضة... أرى تلك السيّارة التي اشتريناها معا، تلك المدرسة الثّانويّةّأ: السّالميّة للبنات التي ضمّتنا, تلك المتاجر والمنتزهات والحدائق والأمسيات والسّهرات... بحلقي يضجّ ذاك الماء والملح  وتلك الأطعمة الّتي اقتسمناها... ياه، ياه، صديقتي، اليوم  هزمنا جحافل الزّمن... إنّي أبصرها تولي الأدبار ... فيا أيّها الفرح المنسّيّ بأعماقنا اهطل، ترجّل، لا ترحل عنّا بعد اليوم !!! يكفيك ربع قرن من الغياب!!! ويا أيّها الزّمن توقّف وسجّل أنّ الصّداقةــ إذا ما خلصت وصفت. أعتى من أن تنالها يدُك، أيّها العتيّ السّليط !!!
مطر. مطر, مطر... والشوق منّا يندحر!!! لقد بُلَّت جوانحنا وأينعت أحلامنا.  فما تبقّى من العمر إلّا بعضه وما عاد الغياب يرضينا وما عاد الزّمان بقادر على أن يقصينا فيسلينا ...
مطر, مطر, مطر... يحيي الأرض ويغسل الطّرقات والشّجر... وأنا وصديقتي  جميلة الجميلة نسير جنبا لجنب يغمرنا الفرح وبعض زخّات ذكريات ذاك العمر... فيا فرحنا الأغرّ ، لا ترحل، لا ترحل، انتظر... انتظر. انتظر فشوقنا إلى صديقتنا " عيّاديّة " الغالية الّتي لمّا ألتقها منذ ثلاثين عاما لا يزال ينهمر وينهمر...
عائشة تستحثّنا وقد هزّها طرب لقاء جميلة كما هزّني ورفرفت عليها نوارس هاجرت منذ أمد... عائشة تبتسم وقد غادرها كما غادرني بعض شجن وهي تحتضن صديقتنا الجميلة جميلة... ثلاثتنا بل خمستنا ويتقدّمنا سي عبد المجيد نسير حثيثا نحو جمعيّة ابن عرفة الّتي باتت على مرمى ضحكة نقيّة بهيّة حيث سنلتقي بأصدقائنا: الشّاعر سوف عبيد، رئيس الجمعيّة والشّاعر لطفي السّنوسي رئيس نادي أبي القاسم الشّابي للشعر والشاعرة وهيبة قويّة مديرة نادي الإمتاع والمؤانسة الّذي دعينا إلى جلسة افتتاحه ...
يتبع : الجزء الثاني: مع صديقتي عيّاديّة التي لم أرها منذ ثلاثين عاما ؟؟؟
ومع صفوة من الصديقات والأصدقاء: عروسيّة = عروس البحر والبرّ و ريم العيساوي ومليكة وسهام وكلّ من التقيتهم خلال هذه الأمسيّة الرّاقية الرّائقة...

~بقلم: صفيّة قمّ ابن عبد الجليل

1 التعليقات :


  1. Najet Bokri
    ما أروع ما عزفت على وقع زخات المطر يا صفيّة البهيّة.....أسير وقد تملّكني خدر حدّ السّكر، والمطر ينهمر، ينهمر، ينهمر... أطفالا كنّا نسير تحت المطر وعلى إيقاع المطر دون أن نخشى البلل!!! تمسك عائشة بذراعي ونتبادل الذكريات الّتي خلناها ذوت فإذا هي تنبعث فتيّة عتيّة شاردة!!! تهطل الذكريات... نُحاصرها... نقفو آثارها... تتهادى إلينا مطواعا... ترقص، نرقص، تتداعى وتنساب زمرا... نضحك، تصّاعد منّا تنهيدات... نتحرّر من بعض وجع... نرنو إلى أفق قريب بعيد ويهطل المطر...

    ردحذف